الإحصاء واستراتيجية تطوير العمل الإحصائي statics and strategy of developing statics work

الإحصاء واستراتيجية تطوير العمل الإحصائي statics and strategy of developing statics work


1.1. لمحة عامة عن الإحصاء 
يعود الإحصاء في تاريخه إلى زمن بعيد، فقديماً كان يقتصر دوره على العد، وكانت الحروب والضرائب في مقدمة الميادين التي استخدمت الإحصاء، بغية معرفة قوة الدولة عسكرياً واقتصادياً. ولعل أقدم الوثائق التاريخية التي تشير إلى وجود إحصاءات في تلك الفترة تعود إلى 3500 ق.م، وجدت في مصر، وتبين عدد المشاركين في بناء الأهرامات وما أنفق عليها من مواد بناء. كما وردت كلمات الإحصاء في كثير من الآيات القرآنية لتشير إلى الحصر والعد لأعمال الإنسان، ومن هذه الآيات الكريمة الآية رقم (28) من سورة الجن "ليعلم أن قد ابلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً"، وقوله تعالى الآية رقم (12) من سورة ياسين "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين"، وفي سورة النبأ الآية (29) "وكل شيء أحصيناه كتاباً". إلا أنه مع نمو الدولة تجارياً وتوسع علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى ظهرت لديها حاجة ماسة إلى معلومات دقيقة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية في دولتها وفي الدول المجاورة، فأصبح من الأهمية بمكان معرفة عدد السكان، ورغباتهم المختلفة، ومقادير احتياجاتهم، وشروط عاداتهم لاستثمارها في عمليات التبادل التجاري. وفي هذه الفترة ظهر المصطلح الجديد الإحصاء Statistica المشتق من اللفظ اللاتيني Status، الذي تحول في الإغريقية إلى Stato وتعني الدولة، فالإحصاء ارتبط بالدولة وعرف بعلم الدولة، حيث اهتم بجمع البيانات الخاصة بالدولة ونشاطها، إلا أنه مع ازدياد حاجة الدول إلى التخطيط ظهرت الحاجة إلى تلخيص هذه البيانات بمقاييس علمية محددة، وعرضها، وتحليلها، وتفسيرها بغية الحصول على نتائج يترتب عليها اتخاذ القرار السليم. 
يعود الفضل في ظهور الإحصاء كنظرية إلى العالم البريطاني وليم بيتي  الذي استطاع أن يرسم منهجية لدراسة البيانات العددية للظواهر الاجتماعية والاقتصادية المختلفة بغية معرفة اتجاه تطورها الطبيعي. كما ساهم العديد من العلماء بإنجازات هامة لتطوير هذا العلم أمثال: إ.غاليه ، هـ. غيوغنيس ، ي. زيوسميلخ ، أ. ن. راديشيف  الخ... كان هؤلاء الرعيل الأول للإحصائيين المعاصرين، أما الرعيل الثاني لتطور هذا العلم فقد كانت له مساهمات واضحة في تطوير نظرية الاحتمالات أمثال: يا. بيرنوللي ، ب. لابلاس ، س. بواسون ، ك. غاوص  الخ... وهكذا أصبح علم الإحصاء أداة لا غنى عنها في دراسة مختلف العلوم الأخرى. إلا أن عامة الناس لا ترى فيه إلا بيانات عددية أو معلومات كمية تصف حجم الظاهرة المدروسة، كأن يضربوا مثلاً بلغت إحصاءات السكان في الجمهورية العربية السورية لعام 2004 (17793)  ألف نسمة، في حين يرى علماء الإحصاء والمختصين في هذا العلم أداة بحث علمي لا غنى عنها في دراسة العلوم الأخرى كالعلوم الاجتماعية والتربوية الخ...، فهو يوفر مجموعة من الطرائق والأساليب العلمية لدراسة تلك العلوم، ومن هذه الطرائق مقاييس النزعة المركزية، مقاييس التشتت، الارتباط، السلاسل الزمنية الخ... إن علم الإحصاء علم قائم بذاته فأساسه العلمي يستند إلى علم الرياضيات العالية، ونظرية الاحتمالات، مستفيداً من الميادين المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها في جعلها ميداناً لاختبار طرائقه العلمية، بغية إعطاء التوصيات اللازمة واتخاذ القرار السليم.
2.1. مراحل العمل الإحصائي
عند دراسة أي ظاهرة من ظواهر المجتمع يمكن تقسيم العمل الإحصائي إلى المراحل التالية:  
1.2.1. جمع البيانات الإحصائية
تعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل تنفيذ العمل الإحصائي، فبقدر ما تكون البيانات الإحصائية المتحصل عليها دقيقة، وكاملة، وممثلة للمجتمع الإحصائي المدروس بقدر ما تكون النتائج المراد الحصول عليها صحيحة، وسليمة، وذات دلالة علمية. إلا أنه يتوجب قبل البدء بجمع البيانات الإحصائية عن الظاهرة المراد دراستها تحديد المشكلة التي تعاني منها الظاهرة وهدف الدراسة تحديداً واضحاً لا غموض فيهما، كما يتوجب تحديد المجتمع الإحصائي المراد دراسته والوحدة الإحصائية التي تدور الدراسة حولها حتى لا تنحرف الدراسة والتحليل عن الهدف الذي نرجوه. 
يتم عادة جمع البيانات الإحصائية بالطرائق التالية: السجلات والتقارير الرسمية، المقابلة الشخصية، الاستبيان، الملاحظة، العينات، التقدير. هذا وإن لكل طريقة من هذه الطرائق خصائص ومميزات تجعل استخدامها يختلف من عمل إحصائي إلى عمل إحصائي آخر بحسب هدف الدراسة، والإمكانات المادية المتاحة، والكوادر العلمية المتوفرة، وطريقة التحليل المتبعة أثناء الدراسة. 
2.2.1. عرض البيانات الإحصائية 
تحمل هذه المرحلة في طياتها أهمية بالغة فهي توضح حجم الظاهرة محل الدراسة، وتظهر العلاقات بين متغيراتها، كما تسمح بدراسة تطور الظاهرة زماناً ومكاناً، وإجراء مقارنات مع غيرها من الظواهر المشابهة لمعرفة موقع الظاهرة المدروسة بين هذه الظواهر. إن هذا الأمر سهل على الباحث إمكانية تحليل ودراسة الظاهرة لاستخلاص النتائج واتخاذ القرارات. يتم عادة عرض البيانات الإحصائية بطريقتين: 
1.2.2.1. العرض الجدولي: وهو عبارة عن ترتيب منتظم للبيانات الإحصائية في صورة جداول ذات صفوف وأعمدة، تبين أهمية هذه البيانات وتسهل عملية المقارنة فيما بينها. نميز نوعين من الجداول:
1. الجداول العامة: وهي الجداول التي تنشر في المجموعات الإحصائية، ومنشورات المنظمات الدولية بحيث تخدم الأغراض العامة، ومثل هذه الجداول شائعة شيوعاً واسعاً، فالغاية الأساسية من إنشاء هذا النوع من الجداول هي إمكانية استخدامها في إجراء دراسات إحصائية لاحقة. 
2. الجداول الخاصة: وهي الجداول التي يبنيها الباحث بنفسه أو يشتقها من الجداول العامة لتخدم دراسته، وعادة تتميز هذه الجداول بخصوصية معينة لما تتضمنه من معلومات تبرز أهمية الظاهرة المحددة في صورة مبسطة.  
يتحدد أسلوب ترتيب البيانات داخل الجدول بحسب طبيعة البيانات جغرافية كانت، أم زمنية، أم كمية الخ... وبحسب الهدف الذي ستستعمل من أجله هذه البيانات. إلا أن أهم أساليب الترتيب المستخدمة هي: الترتيب التاريخي، الترتيب الأبجدي، الترتيب الكمي، الترتيب الجغرافي. أما النقاط التي لا بد أخذها بعين الاعتبار عند بناء أي جدول فهي: إعطاء رقم لكل جدول، إعطاء عنوان لكل جدول، إعطاء عنوان لكل حقل من حقول الجدول، التنويه إلى الوحدات القياسية للبيانات، التنويه إلى مصدر البيانات، كتابة تعليقات لتوضيح بعض معلومات الجدول، ضرورة أن يكون الجدول بسيطاً وواضحاً.      
2.2.2.1. العرض البياني: وهو عبارة عن تمثيل البيانات الإحصائية في صورة رسوم وأشكال بيانية، تساعد القارئ في فهم هذه البيانات وإبراز خصائصها وسهولة مقارنتها أكثر مما لو تم عرضها باستخدام الجداول. إلا أنه لا يمكن أن تكون الرسوم البيانية بديلاً للجداول الإحصائية، فالجداول الإحصائية تعرض البيانات الإحصائية بكل تفاصيلها، في حين أن الرسم البياني يحرص على إبراز التفاوت الأكثر أهمية بين هذه البيانات. فمثلاً إذا كان إنتاج القمح في محافظة إدلب عام 1990 (47889 طناً)  وأصبح في عام 2001 (295320 طناً)2 فإن هذا الفارق في كمية الإنتاج لا يمكن إغفاله بيانياً.   
يمكن تصنيف الرسوم البيانية بحسب أشكالها في أربعة أنواع رئيسية وهي: المصورات الجغرافية، الأعمدة البيانية، الدوائر والمربعات، المنحنيات البيانية. هذا وإن لكل نوع من هذه الرسوم البيانية خصائصه، ومميزاته واستعمالاته الخاصة. 
3.2.1. تحليل البيانات الإحصائية وتفسيرها
يقصد بهذه المرحلة معالجة البيانات الإحصائية باستخدام الطرائق الإحصائية المختلفة: كاستخدام مقاييس النزعة المركزية، الارتباط، الأرقام القياسية، السلاسل الزمنية الخ... حيث تختلف طريقة المعالجة لبيانات كل ظاهرة عن بيانات الظاهرة الأخرى باختلاف نوع البيانات، وتعدد المتغيرات المؤثرة في الظاهرة المدروسة بغية الوصول إلى نتائج موضوعية ومنطقية تخدم الغرض المطلوب. وبما أنه يبنى على هذه النتائج قرارات وتوصيات فإنه يفترض اختيار أكثر الطرق ملاءمة لمعالجة بيانات الظاهرة.